{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل لمن خاصمك من أهل الكتاب وقت { إِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ } المدبر لأمور عباده { مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } أي: عهودهم الوثيقة، المتعلقة بالأمثال، والمحافظة { لَمَآ } أي: الذي { آتَيْتُكُم } تفضيلاً عليكم { مِّن كِتَابٍ } مبيِّن لكم ولأمتكم الأحكام الظاهرة المتعلقة بالمعاملات { وَحِكْمَةٍ } مورثة لكم ولهم الأخلاق المرضية، الموصلة إلى التوحيد الذاتي { ثُمَّ } أخذ الله مواثيقهم أيضاً بأنه متى { جَآءَكُمْ } وعلى أمتكم { رَسُولٌ } مرسل من عندنا على التوحيد الذاتي { مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ } من توحيد الصفات والأفعال { لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ } أنتم، ولتبلغن على أمتكم أن يؤمنوا له، وتصدقوه { وَ } لا تكتفون أنتم وأممكم بمجرد الإيمان والتصديق، بل { لَتَنصُرُنَّهُ } فيما جاء به، وهو التوحيد الذاتي؛ إذ مرجع جميع الملل والنحل إليه، لذلك ختم ببعثته صلى الله عليه وسلم أمر الإنزال والإرسال.
وبعد أخذ المواثيق { قَالَ } سبحانه مستفهماً على سبيل التقرير وتأكيداً: { أَأَقْرَرْتُمْ } أيها الأنبياء أنتم { وَأَخَذْتُمْ } من أممكم المنتسبون إليكم { عَلَىٰ ذٰلِكُمْ } عهودكم ومواثيقكم { إِصْرِي } أي: حلفي وعهدي الثقيل الذي يوجب نقضه أنواعاً من العذاب والنكال؟ { قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا } بعهودك ومواثيقك سمعاً وطاعة، وأخذنا أيضاً من أممنا { قَالَ } سبحانه: { فَٱشْهَدُواْ } أي: فاحفظوا المواثيق، ولا تغفلوا عنها { وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [آل عمران: 81] الحاضرين المطلعين لحفظكم ووقائكم { فَمَنْ تَوَلَّىٰ } أعرض منكم { بَعْدَ ذٰلِكَ } العهد الوثيق { فَأُوْلَـٰئِكَ } المعرضون { هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [آل عمران: 82] الخارجون عن طريق التوحيد الذاتي الجامع لجميع الطرق.
{ أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ } الذي هو التوحيد الذاتي { يَبْغُونَ } تطلبون أيها المعرضون الفاسقون { وَ } الحال أن { لَهُ أَسْلَمَ } انقاد وتذلل { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من أرباب الشهود والمكاشفات { وَ } من في { ٱلأَرْضِ } من أصحاب العلوم والمعاملات { طَوْعاً } تحقيقاً ويقيناً { وَكَرْهاً } تقليداً وتخميناً { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره { يُرْجَعُونَ } [آل عمران: 83] رجوع الظل إلى ذي ظل.
{ قُلْ } يا أكمل الرسل بلسان الجمع { آمَنَّا } أذعنَّا وأيقنَّا { بِٱللَّهِ } الواحد الأحد، المتفرد بالتحقيق والوجود { وَ } صدقنا { مَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا } من عنده من الكتاب المبين لتوحيده { وَمَآ أُنزِلَ } أيضاً في سالف الزمان { عَلَىٰ } أسلافنا { إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } أولاد يعقوب وأحفاده { وَ } صدقنا أيضاً { مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ } الموجودون الملهمون { مِن رَّبِّهِمْ } على مقتضى استعداداتهم { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } بالإطاعة والتصديق { وَ } كيف نفرق ونخصص؛ إذ { نَحْنُ } المتدينون بدين الله المتجلي في الآفاق { لَهُ } باعتبار تفرده وإحاطته وظهوره في المظاهر كلها بأوصافه وأسمائه بلا تفاوت { مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 84] مؤمنون موقنون.