قال الضحاك عن ابن عباس: إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر، وإنما كان اسمه تارح، رواه ابن أبي حاتم، وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل، حدثنا أبي، حدثنا أبو عاصم شبيب، حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ } يعني بآزر: الصنم، وأبو إبراهيم اسمه تارح، وأمه اسمها مثاني، وامرأته اسمها سارة، وأم إسماعيل اسمها هاجر، وهي سرية إبراهيم، وهكذا قال غير واحد من علماء النسب: إن اسمه تارح، وقال مجاهد والسدي: آزر: اسم صنم، قلت: كأنه غلب عليه آزر؛ لخدمته ذلك الصنم، فالله أعلم، وقال ابن جرير: وقال آخرون: هو سب وعيب بكلامهم، ومعناه: معوج، ولم يسنده، ولا حكاه عن أحد. وقد قال ابن أبي حاتم: ذكر عن معتمر بن سليمان، سمعت أبي يقرأ: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً } قال: بلغني أنها: أعوج، وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم عليه السلام، ثم قال ابن جرير: والصواب أن اسم أبيه آزر، ثم أورد على نفسه قول النسابين أن اسمه تارح، ثم أجاب بأنه قد يكون له اسمان؛ كما لكثير من الناس، أو يكون أحدهما لقباً، وهذا الذي قاله جيد قوي، والله أعلم. واختلف القراء في أداء قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ } فحكى ابن جرير عن الحسن البصري، وأبي يزيد المدني، أنهما كانا يقرأان: { وإذ قالَ إبراهيمُ لأبيهِ آزرُ أتتخذ أصناماً آلهة } معناه: يا آزرُ أتتخذ أصناماً آلهة، وقرأ الجمهور بالفتح، إما على أنه علم أعجمي لا ينصرف وهو بدل من قوله: { لأَبِيهِ } أو عطف بيان، وهو أشبه، وعلى قول من جعله نعتاً لا ينصرف أيضاً، كأحمر وأسود، فأما من زعم أنه منصوب؛ لكونه معمولاً لقوله: { أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً } تقديره: يا أبت أتتخذ آزر أصناماً آلهة؟ فإنه قول بعيد في اللغة، فإن ما بعد حرف الاستفهام، لا يعمل فيما قبله؛ لأن له صدر الكلام، كذا قرره ابن جرير وغيره، وهو مشهور في قواعد العربية، والمقصود أن إبراهيم وعظ أباه في عبادة الأصنام، وزجره عنها، ونهاه فلم ينته، كما قال: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءَالِهَةً } أي: أتتأله لصنم تعبده من دون الله؟ { إِنِّىۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ } أي: السالكين مسلكك { فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي: تائهين، لا يهتدون أين يسلكون، بل في حيرة وجهل، وأمركم في الجهالة والضلال بين واضح لكل ذي عقل سليم. وقال تعالى:
{ { وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ إِبْرَٰهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً يٰأَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِىۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً يٰأَبَتِ إِنِّىۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَـٰنِ وَلِيّاً قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِى يٰإِبْرَٰهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً قَالَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُواْ رَبِّى عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا } [مريم:41ـ48] فكان إبراهيم عليه السلام، يستغفر لأبيه مدة حياته، فلما مات على الشرك، وتبين إبراهيم ذلك، رجع عن الاستغفار له وتبرأ منه، كما قال تعالى: { { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَٰهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114] وثبت في الصحيح أن إبراهيم، يلقى أباه آزر يوم القيامة، فيقول له آزر: يا بني اليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: أي رب ألم تعدني أنك لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقال: يا إبراهيم انظر ما وراءك، فإذا هو بذيخ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه، فيلقى في النار، وقوله: { وَكَذَلِكَ نُرِىۤ إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: نبين له وجه الدلالة، في نظره إلى خلقهما، على وحدانية الله عز وجل، في ملكه وخلقه، وأنه لا إله غيره، ولا رب سواه، كقوله: { { قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [يونس: 101] وقوله: { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف:185] وقال: { { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } [سبأ: 9] وأما ما حكاه ابن جرير وغيره عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم، قالوا: - واللفظ لمجاهد - فرجت له السموات، فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع، فنظر إلى ما فيهن، وزاد غيره: فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي، ويدعو عليهم، فقال الله له إني أرحم بعبادي منك؛ لعلهم أن يتوبوا، أو يرجعوا. وروى ابن مردويه في ذلك حديثين مرفوعين عن معاذ وعلي، ولكن لا يصح إسنادهما، والله أعلم، وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي، عن ابن عباس، في قوله: { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } فإنه تعالى جَلاَ لَهُ الأمر؛ سره وعلانيته، فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب، قال الله: إنك لا تستطيع هذا، فرده كما كان قبل ذلك، فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتى رأى ذلك عياناً، ويحتمل أن يكون عن بصيرته، حتى شاهده بفؤاده، وتحققه وعرفه، وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة، والدلالات القاطعة، كما رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه عن معاذ بن جبل في حديث المنام: "أتاني ربي في أحسن صورة، فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا رب فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء، وعرفت ذلك" وذكر الحديث. قوله: { وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } قيل: الواو زائدة، تقديره: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض؛ ليكون من الموقنين؛ كقوله: { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَـٰتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } وقيل: بل هي على بابها، أي: نريه ذلك ليكون عالماً وموقناً، وقوله تعالى: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ } أي: تغشاه وستره { رَأَى كَوْكَباً } أي: نجماً { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ } أي: غاب، قال محمد بن إسحاق بن يسار: الأفول: الذهاب، وقال ابن جرير: يقال: أفَل النجم يأفُل ويأفِل أُفولاً وأَفْلاً: إذا غاب. ومنه قول ذي الرمة:مصابيحُ ليسَتْ باللواتي تقودُهانُجُومٌ، ولا بالآفلات الدوالك
ويقال: أين أفلت عنا؟ بمعنى: أين غبت عنا؟ قال: { لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } قال قتادة: علم أن ربه دائم لا يزول، { فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً } أي: طالعاً { قَالَ هَـٰذَا رَبِّى فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلِّينَ فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّى } أي: هذا المنير الطالع ربي { هَـٰذَآ أَكْبَرُ } أي: جرماً؛ من النجم ومن القمر، وأكثر إضاءة { فَلَمَّآ أَفَلَتْ } أي: غابت، { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: أخلصت ديني، وأفردت عبادتي { لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي: خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق { حَنِيفًا } أي: في حال كوني حنيفاً، أي: مائلاً عن الشرك إلى التوحيد، ولهذا قال: { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } وقد اختلف المفسرون في هذا المقام: هل هو مقام نظر، أو مناظرة؟ فروى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ما يقتضي أنه مقام نظر، واختاره ابن جرير مستدلاً بقوله: { لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى } الآية، وقال محمد بن إسحاق: قال ذلك حين خرج من السرب الذي ولدته فيه أمه، حين تخوفت عليه من نمروذ بن كنعان، لما كان قد أخبر بوجود مولود يكون ذهاب ملكه على يديه، فأمر بقتل الغلمان عامئذ، فلما حملت أم إبراهيم به، وحان وضعها، ذهبت به إلى سرب ظاهر البلد، فولدت فيه إبراهيم، وتركته هناك، وذكر أشياء من خوارق العادات، كما ذكرها غيره من المفسرين من السلف والخلف، والحق أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كان في هذا المقام مناظراً لقومه، مبيناً لهم بطلان ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام، فبين في المقام الأول مع أبيه خطأهم في عبادة الأصنام الأرضية، التي هي على صور الملائكة السماوية؛ ليشفعوا لهم إلى الخالق العظيم، الذين هم عند أنفسهم أحقر من أن يعبدوه، وإنما يتوسلون إليه بعبادة ملائكته؛ ليشفعوا لهم عنده في الرزق والنصر، وغير ذلك مما يحتاجون إليه. وبين في هذا المقام خطأهم وضلالهم في عبادة الهياكل، وهي الكواكب السيارة السبعة المتحيرة، وهي: القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري وزحل، وأشدهن إضاءة وأشرفهن عندهم الشمس، ثم القمر ثم الزهرة، فبين أولاً صلوات الله وسلامه عليه أن هذه الزهرة لا تصلح للإلهية، فإنها مسخرة مقدرة بسير معين، لا تزيغ عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تملك لنفسها تصرفاً، بل هي جرم من الأجرام خلقها الله منيرة، لما له في ذلك من الحكم العظيمة، وهي تطلع من المشرق ثم تسير فيما بينه وبين المغرب حتى تغيب عن الأبصار فيه، ثم تبدو في الليلة القابلة على هذا المنوال، ومثل هذه لا تصلح للإلهية، ثم انتقل إلى القمر، فبين فيه مثل ما بين في النجم، ثم انتقل إلى الشمس كذلك، فلما انتفت الإلهية عن هذه الأجرام الثلاثة التي هي أنور ما تقع عليه الأبصار، وتحقق ذلك بالدليل القاطع، { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } أي: أنا بريء من عبادتهن وموالاتهن، فإن كانت آلهة، فكيدوني بها جميعاً، ثم لا تنظرون { إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: إنما أعبد خالق هذه الأشياء، ومخترعها ومسخرها ومقدرها ومدبرها، الذي بيده ملكوت كل شيء، وخالق كل شيء، وربه ومليكه وإلهه، كما قال تعالى:
{ { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الأعراف: 54] وكيف يجوز أن يكون إبراهيم ناظراً في هذا المقام، وهو الذي قال الله في حقه { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَٰهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَـٰلِمِينَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَـٰثِيلُ ٱلَّتِىۤ أَنتُمْ لَهَا عَـٰكِفُونَ } [الأنبياء:51-52] الآيات، وقال تعالى: { { إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـٰنِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَِنْعُمِهِ ٱجْتَبَٰهُ وَهَدَٰهُ إِلَى صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَٰهُ فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِى ٱلأَخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [النحل: 120-123] وقال تعالى: { { قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 161] وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل مولود يولد على الفطرة" وفي صحيح مسلم، عن عياض بن حمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: إني خلقت عبادي حنفاء" وقال الله في كتابه العزيز: { { فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللهِ } [الروم: 30] وقال تعالى: { { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] ومعناه على أحد القولين كقوله: { فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } كما سيأتي بيانه. فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمة قانتاً لله حنيفاً، ولم يك من المشركين، ناظراً في هذا المقام؟ بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة، والسجية المستقيمة، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا ريب، وما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظراً لقومه فيما كانوا فيه من الشرك، لا ناظراً قوله تعالى.