{ بَلْ هُوَ ءَايَـٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ }، قال الحسن: يعني القرآن آيات بينات، { فِى صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ }، يعني المؤمنين الذين حملوا القرآن. وقال ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة: بل هو يعني ـ محمداً صلى الله عليه وسلم ـ ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب، لأنهم يجدونه بنعته وصفته في كتبهم، { وَمَا يَجْحَدُ بِـئَايَـٰتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّـٰلِمُونَ }.
{ وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَـٰتٌ مِّن رَّبِّهِ }، كما أنزل على الأنبياء من قبل، قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر: "آية" على التوحيد، وقرأ الآخرون: "آيات من ربه"، لقوله عزّ وجلّ: { قُلْ إِنَّمَا ٱلأَيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ }، وهو القادر على إرسالها إذا شاء أرسلها، { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }، أنذر أهل المعصية بالنار، وليس إنزال الآيات بيدي.
{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ }، هذا الجواب لقوله: { لولا أنزل عليه آيات من ربه } قال: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ }، يعني: أولم يكفهم من الآيات القرآن يتلى عليهم، { إِنَّ فِى ذٰلِكَ }، في إنزال القرآن، { لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }، أي: تذكيراً وعظة لمن آمن وعمل به.
{ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً }، أني رسوله وهذا القرآن كتابه، { يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْبَـٰطِلِ }، قال ابن عباس: بغير الله. وقال قتادة: بعبادة الشيطان، { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ }.
{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ }، نزلت في النضر بن الحارث حين قال: فأمطر علينا حجارة من السماء، { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى }، قال ابن عباس: ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة كما قال:
{ { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } [القمر: 46] وقال الضحاك: مدة أعمارهم, لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب، وقيل: يوم بدر، { لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ }، يعني العذاب وقيل الأجل، { بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }، بإتيانه. { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ }، أعاده تأكيداً، { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ }، جامعة لهم لا يبقى أحد منهم إلا دخلها.
{ يَوْمَ يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ }، يعني: إذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم كما قال:
{ { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [الأعراف: 41]، { وَيِقُولُ ذُوقُواْ }، قرأ نافع، وأهل الكوفة: «ويقول» بالياء، أي: ويقول لهم الموكل بعذابهم: وقرأ الآخرون بالنون؛ لأنه لما كان بأمره نسب إليه، { مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }، أي: جزاء ما كنتم تعملون. { يـَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ فَإِيَّاىَ فَٱعْبُدُونِ }، قال مقاتل والكلبي: نزلت في ضعفاء مسلمي مكة، يقول: إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإِيمان فاخرجوا منها إلى أرض المدينة، إن أرضي ـ يعني المدينة ـ واسعة آمنة.
قال مجاهد: إنّ أرضي المدينة واسعة فهاجروا وجاهدوا فيها.
وقال سعيد بن جبير: إذا عمل في الأرض بالمعاصي فاخرجوا منها فإن أرضي واسعة. وقال عطاء: إذا أُمرتم بالمعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة. وكذلك يجب على كل من كان في بلد يُعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ له العبادة.
وقيل: نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة، وقالوا: نخشى، إن هاجرنا، من الجوع وضيق المعيشة، فأنزل الله هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج.
وقال مطرف بن عبد الله: "أرضي واسعة" أي رزقي لكم واسع فاخرجوا.