يقول تعالى: أم لهم نصيب من الملك، وهذا استفهام إنكاري، أي: ليس لهم نصيب من الملك. ثم وصفهم بالبخل، فقال: { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً }، أي: لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف، لما أعطوا أحداً من الناس، ولا سيما محمداً صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولا ما يملأ النقير، وهو النقطة التي في النواة، في قول ابن عباس والأكثرين. وهذه الآية كقوله تعالى:
{ { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّى إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ } [الإسراء: 100] أي: خوف أن يذهب ما بأيديكم، مع أنه لا يتصور نفاده، وإنما هو من بخلكم وشحكم، ولهذا قال تعالى: { { وَكَانَ ٱلإنْسَـٰنُ قَتُورًا } [الإسراء: 100] أي: بخيلاً، ثم قال: { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } يعني بذلك: حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له؛ لكونه من العرب، وليس من بني إسرائيل. وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا يحيى الحماني، حدثنا قيس بن الربيع عن السدي، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } الآية، قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس، قال الله تعالى: { فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَـٰهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } أي: فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل، الذين هم من ذرية إبراهيم، النبوة، وأنزلنا عليهم الكتب، وحكموا فيهم بالسنن، وهي الحكمة، وجعلنا منهم الملوك، ومع هذا { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ بِهِ }، أي: بهذا الإيتاء، وهذا الإنعام، { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } أي: كفر به، وأعرض عنه، وسعى في صد الناس عنه، وهو منهم ومن جنسهم، أي: من بني إسرائيل، فقد اختلفوا عليهم، فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل؟ وقال مجاهد: { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءَامَنَ بِهِ }، أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ }، فالكفرة منهم أشد تكذيباً لك، وأبعد عما جئتهم به من الهدى، والحق المبين، ولهذا قال متوعداً لهم: { وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } أي: وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم، ومخالفتهم كتب الله ورسله.