التفاسير

< >
عرض

بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ
١
-الفاتحة

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ بِسمِ } الباء كشف البقاء لأهل الفَنَاء والسين كشف سناء القدس لأهل الأنس والميم كشف الملكوت لأهل النعوت والباء بره للعموم والسين سره للخصوصُ والميم محبّته لخصوص الخصوص والياء بدو العبودية والسين سِرّ الربوبية والميم منة في أزليته على أهل الصفوة والباء من بِسمِ أي ببهاء بقاء ارواح العارفين في بحار العظمة والسين من بسم اي بسنائى سمت أسرار السابقين في هواء الهوية والميم من بسم اى بمجدى وردت المواجيد الى قلوب الواجدين من انوار المشاهدة وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم ان الباء بهاؤه والسين سناؤه والميم مجده وقيل في بسم الله بالله ظهرت الاشياء وبه فتيت وبتحليله حسنت المحاسن وباستناره فتحت المفاتيح وحكى عن الجنيد انه قال ان اهل المعرفة تقوا عن قلوبهم كل شيء سوى الله فقال لهم قولوا بسم الله اى بى فتسمّوا ودعوا انسابكم الى اده وقيل ان بسم يبقى به كل الخلق فلو افتتح كتابه باسمه لذاب تحته حقيقة الخلائق الا من كان محفوظاً من نبىّ او ولىِّ وروى علىّ بن موسى الرضا عن ابيه عن جعفر بن محمد قال بسم الباء بقاؤه والسين سماؤه والميم ملكه فايمان المومن ذكره ببقائه وخدمةُ المريد ذكره باسمائه والعارف فناؤه عن المملكة بالمالك لها واما الله فانه اسم الجمع لا ينكشف الا لاهل الجمع وكل اسم يتعلق بصفة من صفاته الا الله فانه يتعلق بذاته وجميع صفاته لاجل ذلك وهو اسم الجمع اخبر الحق عن نفسه باسمه الله فيما يعرفه الا هو ولا يسمعه الا هو ولا يتكلّم به الا هو لان الالف اشارة الى الانانيّة والوحدانية ولا سبيل للخلق الى معرفتها الا بالحق تعالىوفي اسمه الله لا مان الاول اشارة الى الجمال والثاني اشارة الى الجلال والصفتان لا يعرفها الا صاحب الصفات والهاء اشارة الى هويته وهويته لا يعرفها الا هو والخلق معزولون عن حقائقه فيحتجبون بحروفه عن مَعْرفَته بالالف تجلى الحقُّ من انانيته لقلوب الموحدين فتوحدوا به وباللام الاول تجلى الحق من ازليته لارواح العارفين فانفرد بانفراده وباللام الثاني تجلى الحق من جمال مشاهدته لاسرار المحبّين فغابوا في بحار حبّه وبالهاء تجلى الحق من هويته لفواد المقربين فَتَاهُوا في بيداء التحير من سَطَوات عظمته قال الشبلى ما قال الله احد سوى الله فان كان من قاله بحظ وانّى يدرك الحقائق بالمحظوظ وقال الشبلىّ الله فقيل له لِمَ لا تقول لا اله الا الله فقال لا ابقى به ضدّا وقيل في قوله الله هو المانع الذى يمنع الوصول اليه كما امتنع هذا الاسم عن الوصول اليه حقيقة كان الذات اشد امتناعاً عجزهم في اظهار اسمه لهم ليعلموا بذلك عجزهم عن درك ذاته وقيل فى قوله ان الالف اشارة الى الوحدانية واللام الاولى اشارة الى محو الاشارات واللام الثانية اشارة الى محو المجوف كشف الهاء وقيل الاشارة فى الالف هو بقاء الحق بنفسه وانفصاله عن جميع خلقه فلا اتصال له بشئ من خلقه كامتناع الالف ان يتصل بشئ من الحروف ابتداءً بل يتصل الحروف به على حد الاحتياج اليه وابتغائه عنهم وقيل ليس من اسماء الله اسم يبقى تلى اسقاط كل حرف منه الا الله فانه الله فاذا اسقطت منه الالف يكون لله فاذا اسقطت احد لامَيه يكون له فاذا اسقطت اللامين بقى الهاء وهو غايةُ الاشارة وقال بعضهم الباء باب خزانة الله والسين سين الرسالة والميم ملك الولاية وقال بعضهم بالله سلم قلوب اولياء الله من عذاب الله وبنقطته تطرفت اسرار اصفياء الله الى حضرته وبرحمته تفرَّدت افئدة خواص عباده معه وقال بعضهم بالله تحيّرت قلوب العارفين فى علم ذات الله وبشفقته توصلت علوم العالمين الى صفات الله وبرحمته ادركت عقول المؤمنين شواهد ما اشهدهُم الله من بيان الله وقيل بالهيته تفرَّدت قلوب عباد الله وبتعطُّفه صفت ارواحُ محبيه وبرحمته ذكرت نفوس عابديه وقيل بسم الله ترياق اعطى المومنين يدفع الله به عنهم سم الدنيا وضَررها وقالَ جعفر الصادق بسم للعامة ولله الخاص الخاص وقال سهل الله هو اسم الله الاعظم الذي حق الاسماء والاسامى كلها وبين الالف واللام منه حرف مكنّى غيب من غيب الى غيبه وسرُّ من سرِّ الى سِرّ حقيقةٌ من حقيقةٍ الى حقيقته الا ينال فهمه الا الطاهر من الادناس الاخذ من الحلال قواماً ضرورة الايمان وقيل من قال بالحروف فانه لم يقل الله لانه خارج عن الحروف والحسوس والاوهَام والافهام ولكن رضى منا بذلك لانه لا سبيل الا توحيده من حيث لا حال ولا قال وحكى ان ابا الحسَنِ النوريُّ بقى في منزله سبعة ايام لم ياكل ولم يشرب ولم ينم ويقول فى ولهة ودهشة الله الله وهو قائمٌ يَدُور فاخبر الجنيد قال انظروا محفوظ عليه اوقاته فقيل انه يصلي الفرائض فقال الحمد لله الذى لم يجعل للشيطان له سبيلاً ثم قال قوموا حتى نزوره اما ان نستفيد منه او نقيده فدخل عليه وهو في ولهه وقال يا ابا الحسن ما الذى ولهك قال اقوال لله الله زيدُ اعلى فقال له الجنيد انظر هل قولك الله الله ام قولك ان كان كنت القائل لله الله فلست القائل له وان كنت تقول بنفسك فانت مع نفسك فما معنى الوله قال نعم المودب كنت وسكن من ولهه امّا قوله { الرحمن } رحم على اوليائه بسم الرحمن بتعريف نفسه لهم حتّى عرفوا به اسمائه وصفاته وجلاله وجماله وبه خرجت جميع الكرامات للابدال والصديقين وبه تهيّات اسرار المقامات للاسفياء والمقربين وبه تجلت انوار المعارف للاتقياء والعارفين لان اسم الرحمن مخبرٌ عن خلق الخلق وكرمه على جميع الخلق وفى اسمه الرحمن ترويحُ ارواح الموحدين ومزيد افراح العارفين وتربية اشباح العالمين وفيه نزهة المحبّين وبَهْجة الشائقين وفرحة العاشقين وامان المذنبين ورجاء الخائفين وقال بعضهم اسمه الرحمن حلاوة المنّة ومشاهدة القرية ومحافظة الحرمة وقال ابن عطافى اسمه الرحمن عونه نصرته وقوله { الرحيم } موهبة الخاص لاهل الخاص هو مستند لذوي العثرات ومسرّة لاهل القربات والرّحمن مطيّة السالكين تسير بهم الى معدن العناية والرحيم حبل الحق المجذوبين تجذبهم به الى جَمال الوصلة باسم الرحمن اَمَنهم من العقاب وباسمه الرّحين اَتَاهُم من نفايس الثواب الاول مفتاح المكاشفة والاخر مرقاة المشاهدة باسمه الرحمن فتح لهم الغيوب وباسمه الرحيم غفر لهم الذنوب وقال ابن عطافى اسمه الرحيم مودّة ومحبّة وعن جعفر بن محمد فى قوله الرحمن الرحيم انه قال هو واقع على المريدين والمرادين فاسم الرحمن للمرادين لاستغراقهم فى انوار الحقائق والرحيم للمريدين لبقائهم مع انفسهم واشتغالهم بالظاهر.